كانت تجلس امام عجلة القيادة تنتظر ان يتحرك سرب السيارات الواقف حولها حتى تبدأ في الحركة معه و لكن بعدما أدركت انها لن تتحرك قبل عدة دقائق ، سمحت لفكرها ان يغزو هذا الازدحام قليلا و ان تمضي معه بعض اللحظات :
لكن باغتتها فجأة باقة من الورود و وجها يبدو عليه التعب و الاسمرار و بعض التعرق من حرارة الشمس و الحركة الكثيرة ، مقاطعا شرودها بصوت خشن و مرح " مش عايزة ورد يا آنسة ؟ "
لم تجب و اكتفت بعدم الاهتمام ولكنه أصر على اختطافها مما كانت تغرق فيه و قال و هو يقترب من نافذة سيارتها " طب ايه رأيك ان وشك باين عليه انك عايزة وردة حلوة "
اشارت إليه بأنها لا تريد و فرحل و تركها بعد ان انتزعها من شرودها و تركها مع صدىً لكلمته " وشك باين عليه انك عايزة وردة حلوة "
كيف علم ذلك ، هل حقا تظهر عليها الوحدة أم انه بائع متجول يعرف كيف ينتقي كلماته ليجعلك تشتري ما يبيع أيا كان !
هل تكسو فعلا ملامح وجهها علامات حزن جعلته يحاول اختطافها منه و " بالمرة يلقط رزقه " ، و انتبهت إلى ان هذا الرجل رزقه هو ان يبيع الورود ، يبيعها لصديقين يريد أحدهما ان يدخل البهجة على الاخر ، او لحبيبين لا يجد أحدهما وسيلة أفضل من وردة صغيرة للتعبير عن حب او إعجاب ، او شاب يحاول ان يغري فتاة و هو يعلم ان الورود هي دائما أقصر الطرق لقلوب المراهقات او شخص ما شارد ، قد يشتري لنفسه وردة كي يبهج نفسه او شخص آخر ينتظر ان يهديه أي احد وردة و لم يجد فسيشتريها منه و كأنما البائع هو من أهداها له . ظلت تفكر في كل هذا و تحاول ان تعرف هل هي واحدة من هؤلاء ، أم انها ليست هدفا لهذا البائع و لهذا تركها و رحل سريعا ولم يلح كعادة هؤلاء الباعة
أم انه رأى على وجهها حزنا جعله يشفق عليها و يتركها ام ان هذا الحزن جعله يضيق بها و يعرف انها ليست هدفا لما يبيع فرحل
وبينما هي غارقة في كل هذا ، فوجئت بدموع تغزو وجهها من هذا المنبع العميق ما بين جبهتها و خديها التي تحدده هالة سوداء من الأرق و التعب ، و إذا بأصوات صياح السيارات من حولها تنبهها بأن السرب المتوقف بدأ في الحركة و عليها مواكبته ..
استعدت للحركة و جففت دموعها التي اجتاحت خديها و قررت ابقائها في منبعها ، و مضت تفكر في طريقها واعية انها لا تملك وقتا لتقف و تغرق في شرودها بل عليها ان تنتبه لما ستقضيه من خطوات و تحدد كيف و أين و متى تخطوها حتي يكتمل الطريق وان أحدا لن يأتي ليرسم لها طريقها و لاحتى بائع الورود .....