تمنت ذات يوم لو أن من حولها يعلمون ما يجول بداخلها تجاههم و لو أنهم يأخذوها بنيتها و قلبها هي لا هم .
قالت لها إحداهن ذات يوم " لا تنتظري من الناس أن يعاملوك معاملة حسنة ، فهم لا يفعلونها أبدا و توقعي دوما الأسوأ ، فالناس لا يعطوا بقدر ما يأخذوا بل أقل و قليلون هم من مثلك يعيشون بحب الطفل المطلق " ، لكنها لم تصدق و قالت " سيعلم من أحب أني أحبهم و أني لا أريد لهم سوءا ، بل أريد كل خير "
قالت لها صديقتها " مازالت لم تتعلمي من تجارب الحياة " ، ردت مسرعة ، "بل تركت بداخلي الكثير ، لكني أعيش بطفلة لا تريد أن تنضج أبدا " قاطتعها " ستنضج من الآلآم إذا لو ظلت عنيدة " ، قالت " رأيت ما يكفي منها و لكن الطفلة بداخلي أعظم مني ، لا تريد أن تنضج أبدا "
ردت كأم تحنو على طفلتها ، " إذا ستظلي في تعب الحياة هذا ، فلا أحد من حولك يعلم بأمر الطفلة و حتى من يعلم لا يعي ، و من يعي لن يواكبها ، لا مفر من أن تنضجي "
قالت و عيناها تلوح بالدمع " حاولت مرارا أن أنضج و أحب عالم النضوج و العقل و لكنني وجدت أناسا يحبون أنفسههم فقطو يكرهون غيرهم و تقسو قلبوهم كثيرا ، صحيح أن الأطفال يكرهون و منهم الأناني أيضا و لكن تظل هالة نور البراءة تحوم حولهم و تفوق أي مشاعر سلبية ، و أنا أريد أن أحافظز على هذه الهالة ، لا أريد أن أفقدها في عالم النضوج و الكبر " ،،
ردت ويداها فوق كتفها " أفيقي ، فأنت لم تزل تلك الطفلة ، أنت فتاة ناضجة يافعة في مطلع العمر ، سيطري على طفلتك و حافظي على هالة النور و لكن واكبي من حولك "
قالت و الدموع تتفجر من عينيها " لا أستطيع ، فكلما حاولت مصالحة العالم ، خاصمني و أزعجني " .... أجهشت في البكاء قليلا ، ثم هدأت و قالت " أعلم أن ما الطفلة تؤرقني كثيرا ، و أعلم أنني لا يجب ان أنفصل عن الواقع و لكن هذه أنا ، طفلة صغيرة توقعت من العالم الأفضل فلن تجد إلا الأسوأ ، كمن جاء من الريف إلى الحضر ليعيش حياة متطورة ، فلم يجد إلا الزحام المفزع ..... ها أنا أتوه في هذا الزحام و مهما وجدت حولي من أياد تساعدني ، تتركني في لحظة ما لتهتم بشأنها قليلا ، فأظل انا في تلك اللحظات تائهة و أقرر أن أصمد و أن اواكب الحياة ، فأحوال العبور وحدي فإذا بي ارتطم بأشياء لا أعلمها و لا أعلم من أين أتت و لكنى أصمد و الطفلة بداخلي تساندني ظنا منها بأن في الصمود سعادتي ، و لكني أسقط ، و أعاود الصمود لأسقط فإذا بي اجد يدا تأخذ بيدي و تعلمن كيف أقف و اواجه الزحام و لكن تعاود الحياة الكرة و تاخذ هذه اليد مني ... أحيانا أرى من الأياد ما ظننته صالح و هو ليس كذلك و أحيانا أتيقن ان منها ما لم و لن أجد أصلح منه ، قد تكون يد صديقة أو صديق لم أجد أصدق منهما حقا و لكن صفقة الحياة اللعينة مع القدر تعود لتأخذهم ، فأسقط مرة أخرى و أمضي أيامي سقوطا ، فأقرر في نهاية اليوم أن أعود لطفلتي و أسكن بداخلي وأعتذر لها عما جلعتها ترى من هول الزحام .... أعلم أن هذه هي الحياة و لكن هذه أنا و هذه صفقة الحياة و القدر "
تنظر إليها مشفقة و تقول بصوت خافت " كم أنت رقيقة " فتقول " بل أنا هشة " ، فتبتسم لها و تقول " اعلمي ان صفقات الحياة و القدر عادلة ، تظلم أحيانا و تنصف أحيانا و لكنها في النهاية تعدل و تحنو ، فهما لا يعقدان صفقات قذرة ، بل كلها صفقات في النهاية مربحة ، و سترين ربحك يوما ما و ستلقيت وسط الزحام يد أخ و صديق و صديقة يعلمون كم أنت هشة و رقيقة لن تكون أيديها قاسية عليكي و لن تأخذهم صفقات منك و لن تسطقي منهم " .... سكتت قليلا و أكملت " و ستربيحن يوما ما قلبا كقلبك تائه في هذا الزحام و مفزوعا منه ، فلتطئنوا بعضكم سويا "
ابتسمت وجنتاها و كان جليا أن من تبتسم هي هذه الطفلة التي عاودت السيطرة ، جففت دمعها و مضت لتضيع مفزوعة مرة أخرى في الزحام
عجبتنى جداً ، شبهتنى بيا لأنى فعلاً انا بواجه حوار عدم النضج ده شكراً على المقال الرائع :)
ReplyDelete