ستة أشهر و خمسة عشر يوما فصلت أحمد مندور عن أصدقائه ؛ فصلته عنَا .!
قد بدا لي أنهم أطول بكثير مما هم ، ولا أعلم كيف يمضي الوقت بين حوائط السجون .
لم أعرف من قبل مندور معتقلا ، لم أشعر بالتضامن او الغضب من قبل لمعتقل اعرفه ، لم يساورني شعور إفتقاد المعتقل من قبل . عرفت الان فقط معنى القلق الحقيقي و الافتقاد لصديق مغترب بين حوائط الزنازنة .
قد أكون غضبت من قبل لأحد المعتقلين اوحاولت ان أقدم ما استطيع - والذي لم يكن يوما شيئا ذو قيمة -لمساعدته ، بدافع الغضب ، او التضامن ، او الثورة التي باتت بين أضلعنا جميعا و أحيانا الحزن و الألم على المعتقل الذي لم أعرفه يوما .
اذكر اني بكيت مرة ًمن الحزن والشعور بالظلم لعلاء عبدالفتاح عند ولادة ابنه بينما هو داخل سجون طنطاوي وأخرى حزنا على أحمد الجيزاوي ، واعتقدت وقتها ان لا غضب قد يملأني أكثر مما كنت أشعر به وقتها .
ظننت من قبل عندما كنت اقرأ كلمات لصديق عن صديقه المعتقل ، اني استطيع ان اشعر بما يشعر ،و لكني عرفت الان ان هذا منهم لم يكن حقيقيا كما ظننته . فلاحزن يضاهي حزني و افتقادي لصديقي أحمد مندور .لم أتصور من قبل القلق الذي يسرق النوم و التفكير لحظة تحديد جلسة للنطق بالحكم ، التي قد تحمل بعدها أملاً أو ألما ً.
أفكر كيف مرت عليك يا صديقي كل هذه الأوقات ، التي بالنسبة لنا قد انقسمت للعديد من المحطات وقت كل جلسة تجديد لك ، عندما يوجد أمل - حتى لو كان كاذبا - بإحتمالية خروجك لنا .
أفكر ماذا تشعر ، بم تفكر ، هل أنت قلق ، أم متفائل ، هل تمكن منك اليأس ، هل استطاعت زنازنتك ان تحجب الأمل و القوة عنك ام ان صبرك و أرقك يتحولان لقوة بداخلك تنتظر ان تخرج من بين هذه الحوائط ، هل تشعر بالبرد والسقيع مثلما كنا نشعر أم أكثر مننا ، أم هل يدفئك وقود الثورة المحبوس معك و بداخلك . هل تستطيع ان تجد تعزية لنفسك ، ام انك مثلنا يزيدك قهرا أنك محتجزا بلا قضية ! فقط ، ظلم الدولة .
هل تشعر بالغضب منا ، أم انك قد تعذرنا فيما نشعر به من عجز . العجز الذي يقيدنا في محاولاتنا للدفاع عنك و المطالبة بحريتك . نلوم أنفسنا كثيرا على كل لحظة تقضيها في بيت الظلم و لكن صدقني يا رفيقي ، ثورتنا في أحلك وقت لها ،والظلم يسرق الأمل منا و يقيدنا .
حقيقة أننا يتملكنا اليأس و القهر كثيرا و لكن تصل خطابتك و كأنها توقظنا و تنبهنا . كلماتك الحماسية التي تؤكد لي ان الأحرار لا تستطيع حوائط العالم ان تحتجزهم .
من هم بمثل ضميرك لا يُسجنون يوما . من لهم ضميرا حيا وحرا مثلك ، لا يهزمون ، ولا يستطيع الظلم ان يُسكتهم . أظن أن عند خروجك -الذي أرجوه قريبا- قد تؤنبنا على إخفاء بعض الكلمات من خطاباتك ، ولكن لم يفعل أحد هذا إلا خوفا عليك من بطش الدولة ، نعم ، نخاف عليك من غضبهم من كلماتك . نخشى أحيانا ان يعلموا كم أنت قويا و حرا لئلا يقرروا ان يستمروا في محاولاتهم البائسة لحبسك مدة أطول .
أظن ان ما يزعجك كثيرا في وحدتك و يزيدك قهرا ، هو أنك لا تستطيع ان تقاوم سوى بالصمود قويا ، أرى ذلك في كلماتك عندما تحثنا على المقاومة والنضال و الاستمرار في طريق ثورتنا مهما واجهنا من صعوبات . أعتقد انك تتوق للخروج ليس فقط من أجل استرداد حقك في الحياة ولكن أيضا ، لاستكمال طريق نضالك مع قاطني المقابر و العشوائيات ، و استكمال حلمك للثورة من أجلهم .
اذكر عندما تعرفت عليك لأول مرة كانت عندما وجدت شخصا متواجدا مع أهالي رملة بولاق وقت اشتباكاتهم مع الشرطة و قُتل أحدهم و وجدت شخصا واحدا بقي مع الأهالي ذلك اليوم حتى منتصف الليل بمفرده . ما لا يعرفه أحد عن مندور ذلك اليوم و -والذي اظن انه قد يلومني على ذكره-انه ذلك اليوم أصيب بقنبلة غاز في رأسه و أسعفه الأهالي .لم يخبر أحدا و لن يفعل ، حتى في انه في أحد الأوقات حدث خلاف بسيط ، و زايد عليه أحد أصدقائنا انه الأقل عملا ونشاطا ، لم يفكر مندور في رواية مثل هذه الواقعة بالرغم من انها كانت كافية في رأيي لإثبات صدقه في نضاله . لم يكن يأبه كثيرا للحديث عن نفسه حتى لو دفاعا. مندور كان أقلنا حديثا ولعله هو الأكثر صدقا بيننا .
يتجدد بداخلي الأمل والقلق معا في انتظار يوم جلسة النطق بالحكم في قضيتك ، أفكر فيما سنحكيه لك عن الشهور الست التي قضيتها بعيدا عنا وكيف سنحتفل بحريتك و كيف ستنقل لنا حماسك المحتجز لنكمل طريق النضال سويا ، ثم يغلبني القلق من أن يصدر ضدك حكما ، يخفيك عننا شهورا أخرى .
أتمنى ان يكون ما ذكرته في اخر خطاب لك حقيقيا و تكون فعلا " هانت .. وكلها أيام " ... الحرية لك يا صديق .. وكما قلت " لن تهزم مادمت تقاوم "
No comments:
Post a Comment