منذ حوالي عام وثماني أشهر، قامت بعض جموع الشعب تنتفض ضد نظام ظالم وقامع، يُسَخر جميع أنظمة الدولة لحمايته ولم يعمل قط على بناء الدولة بل كان دائما حريصا على بناء مملكته الخاصة، مبررا كل أفعاله بأكاذيب إعلامية تسمم العقول.. صحيح أن هذه السموم التي بثها النظام أكثر من ثلاثين عاما قد أصابت المواطنين بالعقم الفكري والسياسي الذي يجعل ولادة الثورة مستحيلا، ولكنه لم يكن عقما حقيقيا، فشدة القهر والظلم أدت إلى ولادة ثورة.
تلجأ الأنظمة الرأسمالية دائما إلى تسخير كل ما أوتيت من قوة لوأد وإسكات أفواه العمال التي لن تلبي مطالبهم، لأنها تضر بأرصدتهم البنكية لذلك فهم يلجئون لإعدام العمال معنويا و جسديا. . مثالا على ذلك ما فعله عمال غزل المحلة من إضرابات واحتجاجات، تصاعدت حدتها حتى وصلت للمطالبة بإضراب عام في 6 ابريل 2008 وانضم الطلاب والنشطاء لتلك الدعوة التي تعتبر قد نجحت في إزاحة أول عائق من عوائق الخوف.
بل يمكننا أن نعتبر ما فعله العمال في هذا اليوم بذرة الثورة.. انتفاضتهم وإعلان عدم خوفهم من نظام مبارك لم يكن نابعا من شجاعة متناهية من العمال، بل هو نتاج كبت وقهر وفقر استمرو طويلا حتى جعلوهم فاقدين الأمل في الحياة أو يمكن أن نقول أنهم اتبعوا المثل القائل “عليَ وعلى أعدائي”.. فاض بهم الكيل فلم يكن للخوف مكان.
أعتقد النظام أن استخدام السلاح في القمع هو الأقوى جاهلين قوة العمال الذين هم في أي مكان في العالم العامود الأساسي للدولة.. هم من يملكون إقامة النظام أو إسقاطه ودائما ما تتجاهل الأنظمة هذه الحقيقية، وتلجأ إلى قمعهم بالقوة، إلى جانب إلهاء المواطنين بقضايا زائفة وخلق مناخ زائف من الديمقراطية لتكميم العقول قبل الافواه، ولكن كل هذا جعل من المواطن قنبلة موقوتة وقد انفجرت بالفعل مع زيادة التعذيب وسقوط ضحية مثل خالد سعيد والتي لم يأبه لها النظام بل استمر في الزيف والكذب، وأكملوا السير على درب التزوير في الانتخابات، وعندما استشعروا أن رائحة عفنهم قد طغت، حاولوا إلهائنا في فتنة طائفية لم يعلموا أنها كانت المسمار الأخير في نعشهم وانتفض الشعب أملا في إسقاط النظام حتى يستطيع أن يسترد كرامته و حريته.
في هذه الآونة، كانت جماعة الإخوان المسلمين أو كما أطلق عليها النظام “الجماعة المحظورة”، تلعب دورا هاما في المعارضة، وكانت تظهر مع العمال والطلاب في تظاهراتهم ضد النظام.
وبالطبع كان لهم دورا في الثورة أيضا، ولكن دعونا لا نخوض في مهاترات حول نزولهم يوم 25 يناير ونتصارع على من أول من دعا لذلك، فكلنا يعلم جيدا من دعا لهذا اليوم… ولكن فقط نسلط الضوء على أحد ردود أفعال جماعة الإخوان التي كانت في هذا الوقت إحدى الفصائل السياسة على الساحة، و هو أنها خضعت لأول محاولة تفاوض !
بعد سقوط مبارك وتولي المجلس العسكري، والذي هو أحد أعمدة النظام احتفلت جموع الميدادين، وغفلنا حقيقة المجلس العسكري، فقد أخطأننا و ظننا أنهم قد يحدثوا تغييرا.. لا نعفي أيا من التيارات السياسية من الوقوع في هذا الخطأ و لكن نلوم على جماعة الإخوان التي نعلم ذكاء قادتها وحنكتهم السياسية والتي بالتأكيد لم تعميهم عن حقيقية المجلس العسكري إلا إنهم تغافلوا هذه الحقيقية ومع الوقت نفاجئ بهم يسيروا على درب المجلس.
انخدع بالفعل غالبية الثوار، ولكنهم عادوا لينادوا مرة أخرى بما طالبت به الثورة من عدالة اجتماعية وحرية، وزادت عليهم المطالبة بالقصاص العادل فنفاجئ بمحاكمات هزيلة، وعدم وجود أي جدية لتطهير أيا من كيانات الدولة !
بدأ أيضا المجلس العسكري كحاكم للبلاد بارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها نظامه البائد من قمع واستخدام القوة المفرطة.. لم يكن هذا غريبا بالطبع فهو جزء من النظام، لكن كان الصادم هو موقف جماعة الإخوان – الذي لا يمكن إخفاؤه أو إنكاره - ووقوفهم بجانبه، وتخليهم عن الثوار، وبرز هذا الموقف في محمد محمود ومجلس الوزراء، حين لم يكتفوا فقط بالتخاذل بل والقوا التهم أيضا بالبلطجية و التخريب مما يعود بأذهاننا إلى اتهامات مبارك و نظامه.
تغاضى البعض عن كل هذا ووقف بجانبهم في الانتخابات أملا في أن يعودوا إلى مسار الثورة إذا تولوا مقاليد الحكم الذي سعوا له ولكن إذ بنا نلقى الآن ما كان يفعله نظام مبارك من تصدي للتظاهرات بالعنف، وعدم الاستجابة لمطالب الثورة من الحرية واستمرار حبس المعتقلين والذين لا ينتظرون لجنة ، بل ينتظرون قرارا ثوريا من الرئيس الذي أتى بعد الثورة !
أيضا الظاهرة الأخطر والتي تعد إنذار خطر للنظام هي التصدي لإضرابات العمال إما بالقوة كما حدث في إضراب عمال النقل أو بالإهمال أو بإطلاق شائعات حولهم بأن مطالبهم فئوية ولا يعوون أيدا ان هذه هي العدالة الاجتماعية التي نادوا بها يوم 25 يناير !
يقول البعض أن الرئيس ليس بيديه شيئا من هذا وإن من حوله من بقايا النظام يحاولون تشويه صورته، مما يعيد أذهاننا أيضا إلى قول زبانية مبارك من انه لا يعلم شيئا و ان من حوله يضللونه.. إذا كان هذا صحيحا فقد كان عليه التخلص من بقايا النظام، لكنه أتى ببعض منهم في حكومة جديدة مثل وزير المالية الذي كان سكرتيرا لبطرس غالي !
أتمنى أحيانا أن يأخذ الرئيس قرارا واحدا ثوريا، مع علمي انه لن يفعل فعباءة الرأسمالية لن تسمح له بذلك .
أحاول أحيانا أن أفكر بطريقة “اديله فرصة” ولكن تختفي هذه الفكرة تماما من ذهني حين أرى غلاء الأسعار في ازدياد، وعندما أري مسيرة البحث عن الاستثمار الخارجي ودعم رجال الأعمال على حساب الفقراء مستمرة.
حتى الآن لم يتم اتخاذ قرارا ثوريا واحدا.. حتى الان ما زالت الثورة حائرة تبحث عن مطالبها، ومازال العمال يصرخون بل وصرخاتهم تزداد رنينا عن الماضي، لذلك يستوجب إنذار النظام الحالي أن يكون لهم في نظام مبارك عبرة فالفقراء قنبلة موقوتة إذا استمر تجاهلها فتنفجر حتما في ثورة أعنف مما سبقت فمطالب الثورة أصبحت تتعلق الآن بدماء من ماتوا في سبيلها ولم يُقتص لهم..
هذه فقط تذكرة، فتفكروا يا أولي الألباب
22\9\2012
http://www.youmgdeed.com/archives/11997